لأمراض الاستقلابية هي أمراض وراثية يصعب علاجها، لأنها ناشئة عن خلل جيني يسبب خللا في نظام الخلية، وبالتالي الجسم، ويعتمد العلاج الطبي والغذائي على وقف التأثيرات السلبية الخطيرة، وتخفيف حدة تلك الأمراض، ومساعدة المريض في العيش بهدوء.
تعتمد طرق علاج هذه الأمراض على الغذاء بشكل كبير، إذ إن القضية تتعلق بامتصاص الغذاء وتمثيله، وتحويله لعناصر غذائية يحتاجها الجسم، أما في الحالة المرضية فإن الجسم لا يستطيع أن يقوم بجميع تلك المراحل الحيوية، فإذا نقص إنزيم معين مثلاً تختل الطريقة الطبيعية لتلك التحولات، مما يسبب تراكم المواد غير المحولة إلى سموم تأثيراتها خطيرة على الجسم.
ويلاحظ أن الاهتمام بتلك الفئات من المرضى ضعيف، على الرغم من تزايد أعدادهم، وهم في الغالب أطفال يحتاجون إلى رعاية خاصة، إلا أن المركز الوحيد الذي يهتم بهم هو مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، ويخصص لهم أطباء اختصاصيو تغذية علاجية على ندرتهم، حيث لا يعمل في هذا المجال إلا اختصاصيتان فقط في المملكة كلها.
لا شك في صعوبة هذا التخصص لارتباطه بالوراثة والكيمياء الحيوية الطبية والتغذية العلاجية، كما أنه يحتاج إلى دقة متناهية، فالخطأ البسيط قد يكلف المريض حياته، أو مضاعفات خطيرة تكلف أكثر في العلاج.
تقول اختصاصية التغذية العلاجية بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث إيمان مقداد "تعتبر الأمراض الوراثية الاستقلابية من الأمراض النادرة عالمياً، غير أن نسبة المصابين بهذه الأمراض في المملكة العربية السعودية تعتبر عالية، مما أدى إلى إيلاء هذه الفئة من المرضى عناية طبية خاصة في بلادنا".
وتضيف "الأمراض الوراثية الاستقلابية هي أمراض ناتجة عن خلل وراثي يؤدي إلى غياب أو تقليل نشاط إنزيم معين، ينتج عنه خلل في عملية استقلاب مادة غذائية معينة".
وتشير إلى أن الاستقلاب عبارة عن مجموعة من التفاعلات الكيميائية التي تمر بها كل مادة غذائية تدخل للجسم لتحليلها لمواد أبسط للحصول على الطاقة، ولكل تفاعل كيميائي إنزيم معين (مادة بروتينية) لا يتم التفاعل بدونه.
لذلك فإن فقدان هذا الإنزيم أو قلة نشاطه يؤدي إلى خلل في استقلاب المادة الغذائية، وبالتالي تراكم السموم في الجسم، وظهور أعراض المرض.
وتقسم مقداد الأمراض الوراثية لعدة أقسام تبعاً لنوع المادة الغذائية التي يعجز الجسم عن استقلابها(تكسيرها) ولعل من أهمها:
*اضطرابات استقلاب المواد البروتينية
*اضطرابات استقلاب المواد الكربوهيدراتية
*اضطرابات استقلاب المواد الدهنية
تقول مقداد "تلعب الحمية الغذائية دوراً أساسياً في علاج أمراض خلل الاستقلاب، وقد تشكل في بعض الأحيان العلاج الوحيد، حيث يوضع المريض منذ الولادة على حمية خاصة تحتوي على نسبة محددة من المادة الغذائية التي يعجز جسم الطفل عن تكسيرها(استقلابها)، سواء كانت بروتينات، كربوهيدرات أو دهون، وذلك يستلزم تناول الطفل حليباً خاصاً مصنعاً خصيصاً لكل حالة مرضية، بحيث يلبي احتياجات الطفل الغذائية اللازمة للنمو، ويمنع في نفس الوقت تراكم المواد السامة في الجسم" مشيرة إلى أنه عند فطام الطفل فإنه يستمر في تناول الحليب الخاص، بالإضافة لتحديد الكميات المتناولة من بعض المواد الغذائية التي يعجز جسمه عن استقلابها.
وتنصح اختصاصية التغذية المريض بالالتزام التام بالحمية الغذائية الموصوفة من قبل اختصاصية التغذية، والمتابعة الدائمة من خلال التحاليل التي تعطي فكرة واضحة عن مدى التزام المريض بالحمية، والتي تمكن بدورها اختصاصي التغذية من تعديل الحمية وفقاً لنتائج التحاليل، مشيرة إلى أن عدم تقيد المريض بالحمية قد يعرضه لأخطار صحية بالغة.
وترى مقداد أن الالتزام بالحمية الغذائية يشكل تحدياً كبيراً للمريض وللأهل، وذلك لأن الحمية الخاصة بهده الأمراض حمية قاسية جداً، تحرم المريض من تناول مواد غذائية أساسية، وتجعله مختلفاً عن باقي أقرانه، مما يضع الأهل تحت ضغط اجتماعي ونفسي كبيرين.
وأضافت أن دور اختصاصي التغذية هو وضع حمية غذائية خاصة لكل مريض وضمان حصوله على جميع العناصر الغذائية، ويتطلب ذلك دقة في حساب الاحتياجات الغذائية، وضمان إيصال المعلومة بشكل صحيح للأهل، وتوعيتهم بأهمية الالتزام بالحمية، كما يجب عليه مساعدتهم في إيجاد خيارات غذائية أخرى، وذلك نظراً لقلة الخيارات المتاحة، مما يستدعي البقاء على اتصال دائم بالمريض وأسرته.
وأوضحت مقداد أن مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض يعد المركز الوحيد في المملكة المتخصص في علاج مثل هذه الحالات، حيث تتم متابعة أكثر من 1000 حالة في عيادات التغذية العلاجية المتخصصة في الأمراض الوراثية الاستقلابية.
